
Getting your Trinity Audio player ready... |
عندما تدقّ الأجراس في غرف التحكم الفلكية وتُسجَّل إشارة قادمة من خارج نظامنا الشمسي، لا يتعلق الأمر بفضول علمي محض، يتعلق بسباق على الحقائق، على التصريحات، وعلى من يملك القدرة على تحويل تلك الحقيقة إلى نفوذ علمي، سياسي وتجاري. 3I/ATLAS – الزائر بين-النجمّي الذي دخل حلبة النظام الشمسي – منح الساحة نافذة زمنية ضيقة. وفي اللحظة ذاتها، تعيش واشنطن إغلاقًا حكوميًا يجمّد وظائف وقرارات ويقلّل من قدرة المؤسسات الفدرالية على التحرك السريع. النتيجة: خسارة محتملة للريادة، وفتح بابٍ لمسارات استثمارية وسياسية لا يمكن إغلاقها لاحقًا.
العلم أم النفوذ؟
العلوم الفلكية تقاس بالوقت والفرص. طيفية واحدة تُؤخذ الآن قد تغيّر معادلات فهمنا لنشوء الكواكب، ونسب العناصر في أذرع درب التبانة الأخرى. من يحصل على الطيفيات الأولى ويحفظها ويحلّلها سيحصل على الميداليات العلمية – وعلى عقود تمويلية ضخمة، وعلى أوراق ضغط دبلوماسي.
في الظروف الطبيعية، تنسّق وكالات مثل NASA وESA ومرصدات كبريات الجامعات هذا النوع من العمل على مدار الساعة. لكن الإغلاق الحكومي الأميركي يضعكسلات: موظفون على إجازات قسرية أو بنظام الطوارئ فقط، إجراءات مالية بطيئة، وقدرة محدودة على توقيع منح طارئة أو إطلاق ساعات تلسكوبية فائضة. هذا ليس ترفًا إدارياً، هذه فجوة زمنية يمكن أن تمنح الآخرين السبق العلمي والدبلوماسي.
ماذا يخسر الأمريكيون عمليًا؟
- ساعات رصد ثمينة – توقيتات JWST، Hubble، التلسكوبات الراديوية والأرضية المجدولة تُدار بالموارد البشرية والقرارات الإدارية. تعطّلها يعني فقدان فرص لا تُعوّض.
- التمويل السريع – أي طلب طوارئ لشراء وقت رصد إضافي أو منح بحثية يحتاج خطوات تنفيذية قد تتوقف أثناء الإغلاق.
- القيادة السردية – في فراغ البيان الأميركي الرسمي تملأه روايات متضاربة: من التكهنات العلمية إلى نظريات المؤامرة، ما يغيّر منقصة السيطرة على سرد الحدث.
- شراكات تُعاد رسمها – جهات دولية أو شركات خاصة سريعة الاستجابة قد تعرض نفسها شريكًا عمليًا، فتحتكر ساعات مراقبة أو تعبّر أولًا عن النتائج تحت اسمها.
من يكسب إن غابت واشنطن؟
- المراصد الدولية الداعية للتعاون (أوروبا، اليابان، بعض مراكز الأبحاث الآسيوية) قد تتقدّم في النشر الأولي وتحصد السمعة العلمية.
- شركات الفضاء الخاصة التي تملك بنية تشغيلية مرنة قد تروّج لنفسها كمزوّد «استجابة سريعة» وتحوّل الحدث إلى فرصة تجارية.
- لاعبون جيوسياسيون قد يستغلّون غياب الرسالة الأميركية الموحدة لترويج أجندات دبلوماسية أو لتبرير مبادرات تمويلية إقليمية.
لماذا ليست القضية علمية فقط؟
البيانات العلمية تصبح عملًا دبلوماسيًا واقتصاديًا عندما يحمل من يقف خلفها نفوذاً سياسياً أو قدرة تمويلية. إعلان النتائج أو حصرها يمكن أن يُستخدَم ذريعةً لتخصيص ميزانيات بحث ودفاع، يُمكّن شركات ومؤسسات من بناء صناعات جديدة (تلسكوبات سريعة الاستجابة، منصات دفع متقدّم، سلاسل توريد للتلسكوبات ومواد التحليل). تحويل العلم إلى نفوذ واضحٍ ومُمَوَّل يمثل التحدّي الحقيقي.
سيناريوهات ممكنة
- السيناريو الأمثل: تعاون دولي فوري، بيان موحّد أميركي-أوروبي، مشاركة الطيفيات، والنشر العلمي المشترك يحفظ المصداقية والريادة.
- السيناريو المتوسط: تأخير أمريكي جزئي، نشر نتائج تحت توقيعات متعددة، تنازع على الإسناد العلمي، تسريع استثمارات خاصة في «حلول الاستجابة».
- السيناريو الأسوأ: فقدان السبق الأمريكي، استثمار تجاري/سياسي غير منظم، استخدام الحدث لتشرعن حزم إنفاق دفاعية أو تعزيز شرعيات سلطوية محلية.
ماذا يمكن أن تفعل واشنطن الآن؟
- بيان واحد فوري: رسالة مشتركة من OSTP-NASA-State تؤكد: لا تهديد تصادمي؛ قيمة علمية عالية، دعوة ملحّة للتعاون الدولي. هذا يقطع شوطا كبيرا في احتواء التضخيم الإعلامي والسياسي.
- تفعيل ساعات الرصد الحرجة: اعتبار فرق الرصد والتحليل «مهمة أساسية» (essential) لضمان استمرار عمل التلسكوبات والبيانات.
- آلية مشاركة مؤقتة للبيانات: بروتوكول «Data-Share First» يضمن أن الطيفيات الأولية تُنشر أو تُتاح للمعاينة للحلفاء العلميّين قبل أي احتكار تجاري.
خسارة النافذة بجدل داخلي
3I/ATLAS تذكير صارخ: المعرفة النادرة لا تنتظر إجراءات القوائم الحكومية أو الصراعات الداخلية. النافذة الواقفة أمام العلماء قصيرة. كل يوم يتأخر فيه القرار يُكسب آخرين ميزةً ستتحوّل بسرعةٍ إلى سيطرة سردية، ثم تمويل، ثم بنية تحتية اقتصادية. الإغلاق الحكومي لعبة داخلية – أما الكون، فليس لديه وقتٌ للإنتظار.